فصل: وَحَيْثُمَا حَلَّ الكِرَا يَدْفعُ مَنْ *** قَدِ اكترَى مِنْهُ بِقدْر ما سَكَنْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وَامْتَنَعَ التَّصْييرُ لِلصَّبِيِّ *** إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا أَبٍ أَوْ وَصِيِّ

‏(‏وامتنع التصيير‏)‏ من مدين عليه دين ‏(‏للصبي إن لم يكن‏)‏ الصبي ‏(‏ذا أب أو وصي‏)‏ أو مقدم بل كان مهملاً، وإنما امتنع لأنه تصيير يتأخر قبضه إذا قبض الصبي كلا قبض فيدخله فسخ الدين في الدين على ما مر‏.‏ والتعليل بكون قبض الصبي يتعذر لكونه كلا قبض نحوه لابن سلمون عن ابن فتحون، ومعناه أن الصبي بالخيار في إمضاء عقد التصيير إن رشد كما قال ‏(‏خ‏)‏ في الحجر‏:‏ وله إن رشد الخ‏.‏ فيكون حينئذ تصييراً بخيار وهو ممنوع على المذهب كما مر، فقبضه حينئذ كالعدم وبهذا يفارق حكم الهبة التي يعتبر فيها قبضه كما يأتي في قوله‏:‏ ونافذ ما حازه الصغير الخ‏.‏ وبهذا يعلم أنه لا مفهوم لقوله للصبي، بل المراد المحجور ولو بالغاً، ومفهوم الشرط الجواز إذا قبضه الأب أو الوصي من المصير فإن تأخر قبضهما جرى على ما مر، فإن كان الأب والوصي هما المصيران للمحجور في دين معلوم له عليهما وحازا ذلك له صح وجاز لأن كلاً منهما يحوز لمحجوره ما يعرف بعينه، وإن لم تشاهد البينة حوزهما بل إقرارهما بالحوز له كاف، وإن قدما من يحوز له فكذلك قاله في المعيار عن أبي الضياء مصباح وأبي الحسن الصغير قال أبو العباس الملوي‏:‏ استفيد من ذلك أن حيازة الأب لابنه ما صيره له في دين ترتب له عليه ماض كما استفيد منه أن الاعتراف بالحوز كاف حتى فيما يحوزه الأب أو نائبه للابن، ويفهم منه أيضاً أن اعتراف المصير وحده كاف، ولكن المسألة مفروضة في التصيير للمحجور اه‏.‏

قلت‏:‏ تقدم أن الاعتراف بالحوز كاف على المشهور، ولو كان التصيير لغير المحجور وأنهما إذا اختلفا في فور الحيازة وعدم فوريتها فالقول لمدعي فوريتها لأن ذلك راجع لدعوى الصحة والفساد في البيع، وهو صريح في أن الاعتراف بالحيازة من أحدهما كاف ولو في غير المحجور فلا حاجة لقوله‏:‏ ولكن المسألة مفروضة الخ‏.‏ وقولي في دين معلوم له عليهما احترازاً مما إذا كان الدين مجهولاً أصله أو قدره فيجوز أيضاً كما قال‏:‏

والأَبُ كَالْوَصِيِّ في التَّصْييرِ *** تَمَخِّيَاً بالجْهْلِ لِلْمَحْجُورِ

‏(‏والأب كالوصي في التصيير‏)‏ للمحجور ‏(‏تمخياً‏)‏ أي تبرياً من تمخيت من الشيء إذا تبرأت منه وتحرجت قاله الجوهري وهو مفعول لأجله أي لأجل التمخي ‏(‏ب‏)‏ سبب ‏(‏الجهل‏)‏ بقدر ما في الذمة أو بأصله ‏(‏للمحجور‏)‏ يتعلق بالتصيير أي ويصير الوصي أو الأب لمحجوره ما يتحرى به براءة ذمته حيث جهل قدر الدين أو جهل أصله والأول واجب والثاني مندوب، ويصح قبضه للشيء المصير ما لم يكن دار سكناه، وإلاَّ فلا بد من إخلائها كما يأتي في الحبس والهبة فإن قوم كراءها بعدلين واستمر ساكناً بها صح ذلك ولم تبطل الهبة قاله في هبات المعيار‏.‏ والظاهر أن التصيير كذلك كما أن الظاهر أنه إذا استمر ساكناً بنصفها في التصيير من غير تقويم لكرائها فإنه يبطل ذلك النصف فقط، وإن سكن الجل بطل الجميع كالهبة والله أعلم‏.‏ وتقدم في الشفعة أن هذا التمخي لا شفعة فيه‏.‏

فصل في السلم

وهو كما لابن عرفة عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين فقوله‏:‏ عقد معاوضة جنس يشمل جميع أنواع البيع والكراء، وقوله‏:‏ يوجب عمارة أخرج به بيع المعين وكراءه‏.‏ وقوله‏:‏ بغير عين أخرج به بيع المعين وكراءه بثمن عين إلى أجل، وقوله‏:‏ ولا منفعة أخرج به الكراء المضمون‏.‏ وقوله‏:‏ غير متماثل للعوضين أخرج به السلف، وأما حكمه فقال المشذالي‏:‏ صرح في المدونة بأنه رخصة مستثنى من بيع ما ليس عندك اه‏.‏ وقد فهم من قوله‏:‏ يوجب عمارة ذمة أنه لا بد أن يكون المسلم فيه موصوفاً لأن الذمة لا تعمر إلا بما كان جائزاً شرعاً فيعلم منه أنه لا يجوز في المعينات لأنها لا تحملها الذمم ولا فيما لم تضبطه الصفات، لأن عدم التعرض لضبط صفاته يؤدي لمبيع مجهول العين والصفة وهو لا يجوز، ولذا قال‏:‏

فيما عدا الأُصُولِ جَوِّزِ السَّلمْ *** وَلَيْسَ في المالِ وَلَكِنْ في الذِّمَمْ

‏(‏فيما عدا الأصول‏)‏ من عروض موصوفة وحيوان وطعام كذلك ‏(‏جوز السلم وليس‏)‏ هو أي السلم كائناً ‏(‏في المال‏)‏ المعين بقرينة قوله ‏(‏ولكن في الذمم‏)‏ جمع ذمة كقربة وقرب أي‏:‏ ولكن الشرط كون المسلم فيه من عرض ونحوه ديناً موصوفاً في الذمة كما مر ووجه عدم جواز السلم في الأصول أن السلم فيها يؤدي إلى تعيينها إذ لا بد فيها من وصف بما تختلف فيه الأغراض كما يأتي للناظم وكما قال ‏(‏خ‏)‏ في تعداد شروطه، وإن تبين صفاته التي تختلف بها القيمة في السلم عادة كالجودة والرداءة الخ‏.‏ ووصف العقار بما تختلف به القيمة يؤدي إلى تعيين محله ومجاوره لكون القيمة تختلف بذلك، وتعيينها يؤدي إلى السلم في المعين وهو لا يجوز إذا لم يكن ذلك المعين في ملك المسلم إليه بلا خلاف للغرر، إذ قد لا يبيعه مالكه وإن كان في ملك المسلم إليه فهو من بيع معين يتأخر قبضه، فإن كان التأخير بشرط وكان إلى أجل يتغير ذلك المعين إليه كأكثر من ثلاثة أيام في الحيوان والثوب، وأكثر من عام في الدار ونحوها امتنع للغرر في بقائه على تلك الصفة، وإن كان لأجل لا يتغير إليه غالباً كثلاثة أيام في الحيوان والثوب وكعام في الدار ونحوها، لأن ذلك يختلف باختلاف المبيع جاز كما تقدم تحصيله في بيع الأصول، وأما تأخيره بغير شرط فجائز إذ غايته أن المشتري تركه أمانة عند البائع إلى أي وقت شاء، ودخل في ضمانه بالعقد كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وجاز تأخير حيوان جعل رأس مال بلا شرط الخ‏.‏ قالوا‏:‏ ولو أخر إلى حلول أجل السلم فإنه لا يفسد العقد والثوب المعين مثل الحيوان كما يأتي للناظم آخر الفصل، وإذا جاز هذا في السلم مع كونه يؤدي إلى شبه ابتداء الدين بالدين فأحرى أن يجوز في بيع معين بثمن نقداً معجلاً، أو يتأخر قبض المعين بلا شرط كما مرّ في بيع الأصول، وقول ضيح في تعليل منع السلم في المعين لأنه يلزم فيه ضمان بجعل لأن المسلم يزيد في الثمن ليضمنه له المسلم إليه الخ‏.‏ يرد بأن المعين يدخل في ضمان المشتري بالعقد كما مرّ، وقوله أيضاً في تعليل المنع‏:‏ ولأنه إن لم ينقد اختل شرط السلم الخ‏.‏ هذا إذا كان عدم النقد مشروطاً وكان إلى أجل يتغير إليه كما مر ولما قال‏:‏ ولكن في الذمم يعني حقيقة الذمة ما هي‏؟‏ فقال‏:‏

وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا *** يَقْبَل الالْتِزَامُ وَالإِلْزَاما

‏(‏والشرح للذمة وصف‏)‏ اعتباري كالطهارة والقضاء يعتبره العقل ويقدره لا حسي كالبياض والطول ولا عقلي حقيقي كالعلم والحلم ‏(‏قاما‏)‏ بالإنسان ‏(‏يقبل‏)‏ هو أي ذلك الوصف الاعتباري الذي يقدر قائماً به ‏(‏الالتزام‏)‏ بما التزمه اختياراً من نفقة يتيم ونحوها ‏(‏و‏)‏ يقبل أيضاً ‏(‏الإلزاما‏)‏ لما ألزمه الشرع إياه من زكاة وأرش جناية ونحو ذلك وظاهره أن الصبي والمحجور لا ذمة لهما إذ لا يلزمهما ما التزماه اختياراً وهذا نحو قول القرافي‏:‏ الذمة معنى شرعي يقدر في المكلف قابل للالتزام واللزوم أي‏:‏ الإلزام‏.‏ وهذا المعنى جعله الشرع مسبباً عن أشياء خاصة منها‏:‏ البلوغ، ومنها الرشد فمن بلغ سفيهاً لا ذمة له، ومنها ترك الحجر كما في الفلس، فمن اجتمعت له هذه الشروط رتب الشرع عليها تقرير معنى يقبل إلزامه أروش الجنايات وأجر الإجارات وأثمان المعاملات ونحو ذلك من التصرفات، ويقبل التزامه إذا التزم شيئاً اختياراً من قبل نفسه، وهذا المعنى المقدر هو الذي تقرر فيه الأجناس المسلم فيها وأثمان المبيعات وصدقات الأنكحة وسائر الديون ومن لا يكون له هذا المعنى مقدراً في حقه لا ينعقد في حقه سلم ولا ثمن إلى أجل ولا حوالة ولا حمالة ولا شيء من ذلك، ثم قال‏:‏ الذمة يشترط فيها البلوغ من غير خلاف أعلمه ثم قال‏:‏ والذي يظهر لي وأجزم به أن الذمة من خطاب الوضع ترجع إلى التقادير الشرعية وهو إعطاء المعدوم حكم الموجود الخ‏.‏ يعني لأن الذمة ليست موجودة في الخارج، ولكنها تعطي حكم الموجود فيه، وهذا الذي ظهر له وجزم به من كونها من خطاب الوضع هو الذي اختاره ابن الشاط قال‏:‏ والأولى عندي أن الذمة قبول الإنسان شرعاً للزوم الحقوق دون التزامها، فعلى هذا يكون للصبي ذمة لأنه يلزمه أرش الجنايات وقيم المتلفات، وما ذاك إلا لكونها من خطاب الوضع الذي لا يشترط فيه تكليف ولا غيره كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وضمن ما أفسد إن لم يؤمن عليه الخ‏.‏ وقال في المدونة‏:‏ ومن أودعته حنطة‏.‏ فخلطها صبي أو أجنبي بشعير للمودع ضمن الصبي ذلك في ماله، فإن لم يكن له وقت ذلك مال ففي ذمته، قال الشيخ المسناوي‏:‏ وإثبات الذمة للصبي كما قال ابن الشاط صحيح، وعليه فلا يشترط في الذمة التمييز فضلاً عن التكليف، فالذمة ثابتة للمميز اتفاقاً ولغيره على الراجح‏.‏ قال‏:‏ وابن عاصم إنما درج في تحفته على ما للقرافي وفاقاً للأجهوري وتلميذ ‏(‏ز‏)‏ لا على ما لابن الشاط خلافاً للشيخ ‏(‏م‏)‏ كما هو مبين اه‏.‏ انظر تأليفه المسمى‏:‏ بصرف الهمة إلى تحقيق معنى الذمة، وكونه في الذمة هو أول الشروط في النظم، وثانيهما ما أشار بقوله‏:‏

وَشَرْطُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ أَنْ يُرَى *** مُتَّصِفاً مُؤَجَّلاَ مُقَدَّرا

‏(‏وشروط ما يسلم فيه أن يرى متصفاً‏)‏ أي مضبوطاً بالصفة التي تختلف بها الأغراض في السلم اختلافاً يتغابن به عادة بخلاف ما لا يتغابن به لسهولته فلا يحتاج لبيانه ‏(‏ خ‏)‏‏:‏ وإن تبين صفاته التي تختلف بها القيمة في السلم عادة كالجودة والرداءة وبينهما واللون في الحيوان والثوب والعسل ومرعاه الخ‏.‏ وتعبيره بالقيمة مساو لتعبير غيره بالأغراض كما حققه ابن رحال قائلاً‏:‏ كل ما تختلف به القيمة تختلف به الأغراض وبالعكس، وأطال في الاحتجاج لذلك بكلام الأئمة، ونقلنا كلامه في شرح الشامل، وثالث الشروط أن يكون المسلم فيه ‏(‏مؤجلاً‏)‏ بأجل معلوم لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين‏:‏ ‏(‏من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم‏)‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وأن يؤجل بمعلوم زائد على نصف شهر ومراده نصف الشهر فأكثر، وإنما اشترط فيه الأجل لئلا يؤدي إلى بيع ما ليس عندك المنهي عنه في حديث الترمذي وغيره، وإنما اشترط كونه نصف شهر فأكثر لأنه مظنة تغير الأسواق غالباً فإن أجل بيومين أو ثلاثة فظاهر المدونة أنه يفسخ، واختاره ابن المواز‏.‏ وعن أصبغ أنه لا يفسخ قال‏:‏ لأنه ليس بحرام بين ولا مكروه بين، واختاره ابن حبيب، وأما إن عري عن الأجل رأساً فإنه يفسخ ولا يكون للمسلم إلا رأس ماله إلا أن يكون أجل السلم في ذلك الجنس متعارفاً محدوداً عند أهل البلد لا يختلف فيه فيحملان عليه ولا يفسخ قاله في الوثائق المجموعة‏.‏ ومحل اشتراط كون الأجل نصف شهر لا أقل إذا لم يشترط قبضه ببلد آخر غير بلد العقد وإلاَّ فلا يطلب فيه نصف شهر، بل يشترط أن يكون البلد الذي يقبض فيه على مسافة يومين فأكثر لأنه مظنة تغير سوق البلدين وأن يقبض فيه رأس المال بمجلس العقد أو قربه لئلا يؤدي إلى عين الكالىء بالكالىء قاله الباجي، وأن يشترط الخروج إليه في العقد وأن يخرجا بالفعل، وأن يكون سفرهما إليه ببر أو بحر بغير ريح كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ إلا أن يقبض ببلد كيومين إن خرج حينئذ ببر أو بغير ريح كالمنحدرين احترازاً من السفر بالريح كالمقلعين، لأنه قد يصل في يوم فيكون من السلم الحال، وإذا وقع السلم على هذه الشروط فطرأ عذر أو فتنة منعت من السفر فإن كان مما ينكشف عن قريب فهما على سلمهما، وإن كان مما يطول جرى على حكم من أسلم في ثمرة وانقطع أبانها المشار إليه بقول ‏(‏ خ‏)‏‏:‏ وإن انقطع ماله أبان أو من قرية خير المشتري في الفسخ والإنفاء بماء لقابل‏.‏

تنبيه‏:‏

يجوز الشراء من أرباب الحرف وسواء قدم النقد أو أخره، وذلك بشرط أن يشرع في الأخذ وأن يكون أصل ذلك عند المسلم إليه، وأن يبين ما يأخذه في كل يوم وليس لأحدهما الفسخ إن وقع الشراء على جملة أرطال يأخذها مفرقة على أيام، وأما إن عقد معه على أن يشتري منه كل يوم رطلاً مثلاً فلكل الفسخ كما ينفسخ بموت المسلم إليه في الأولى أو مرضه أو فلسه، ويأخذ بقية رأس ماله في الموت والمرض ويحاص بذلك في الفلس وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وجاز الشراء من دائم العمل كالخباز وهو بيع، وإن لم يدم فسلم فلا بد من اعتبار شروط السلم كلها‏.‏ ورابع الشروط أن يكون المسلم فيه ‏(‏مقدراً‏.‏‏.‏

مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَذَرْعٍ أَوْ عَدَدْ *** مِمَّا يُصابُ غَالِباً عِنْدَ الأَمَدْ

بوزن‏)‏ كسمن وقطن ‏(‏أو كيل‏)‏ كحنطة ‏(‏وذرع‏)‏ في ثوب وحبل ‏(‏أو عدد‏)‏ في رمان وبيض ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وأن يضبط بعادة من كيل أو وزن أو عدد كالرمان وقيس بخيط والبيض أو بحبل وجرزة في كقصيل الخ‏.‏ وخامس الشروط أن يكون المسلم فيه ‏(‏مما يصاب‏)‏ أي يوجد أي مقدوراً على تحصيله ‏(‏غالباً عند‏)‏ حلول ‏(‏الأمد‏)‏ أي الأجل المعين بينهما، وظاهره وإن انقطع قبله وهو كذلك ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ووجوده عند حلوله وإن انقطع قبله، ثم قال‏:‏ فيجوز فيما طبخ واللؤلؤ والعنبر والجوهر والزجاج والجص والزرنيخ وأحمال الحطب والصوف بالوزن لا بالجزاز الخ‏.‏ وإن انقطع قبله الخ‏.‏ يعني المشترط وجوده عند حلول أجله، ولو انقطع في أثناء الأجل كالثمار ونحوها قال فيها‏:‏ ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة من الثمار الرطبة وغيرها لا يشترط أخذ سلمه إلا في أبانه، وإن اشترط أخذه في غير أبانه لم يجز لأنه شرط ما لا يقدر عليه اه‏.‏ خلافاً لأبي حنيفة في اشتراطه وجوده من حين السلم فيه إلى حلوله لئلا يموت المسلم إليه فيه أو يفلس فتحل ديونه، وليس هناك ما تقتضي منه الخ‏.‏ ولم يعتبر مالك وغيره ذلك لندوره، واحترز بقوله غالباً مما إذا كان لا يوجد غالباً عند الأجل كالسلم في كبار اللؤلؤ الخارج عن العادة لئلا يتردد رأس المال بين كونه تارة ثمناً إن وجد وتارة سلفاً إن لم يوجد ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ولا يجوز السلم فيما لا يمكن وصفه كتراب المعدن والجزاف ولا فيما لا يوجد غالباً الخ‏.‏ وظاهر التعليل بكونه تارة سلفاً وتارة ثمناً أنه جار ولو فيما يعرف بعينه وهو كذلك على ما استظهره في ضيح‏.‏

فرع‏:‏ إذا كان للمسلم فيه أبان فمات المسلم إليه قبله، فإن التركة يوقف قسمها إلى الأبان‏.‏ ابن رشد‏:‏ إلا إن قل السلم وكثرت التركة، فإن كان عليه ديون أخر فههنا يتحاص في تركته ويضرب لصاحب السلم بما يشترى له به بعد الأبان لا بما يشترى له به الآن ‏(‏خ‏)‏ في باب الفلس‏:‏ وقوم مخالف النقد يوم الحصاص واشترى له منًّا بما يخصه ومضى أن رخص أو غلا الخ‏.‏ ولما فرغ من شروط المسلم فيه وعدها خمسة ذكر ما يشترط في رأس المال فقال‏:‏

وَشَرْطَ رأسِ المالِ أنْ لا يُخْظَلاَ *** في ذَاكَ دَفْعُهُ وَأَنْ يُعَجَّل

‏(‏وشرط رأس المال أن لا يحظلا‏)‏ يمنع ‏(‏في ذاك‏)‏ أي المسلم فيه ‏(‏دفعه‏)‏ فالمجرور بفي يتعلق بهذا المصدر المضاف إلى ضمير رأس المال، واحترز به من سلم ذهب في فضة وبالعكس، أو طعام في طعام أو لحم في حيوان وبالعكس، أو شيء في أكثر منه أو أجود من جنسه كالعكس كثوب في ثوبين أو ثوبين في ثوب لئلا يؤدي للصرف المؤخر والنسيئة في الطعام، وبيع اللحم بالحيوان أو سلف جر نفعاً وتهمة ضمان بجعل، وإنما اعتبروها ههنا وألغوها في بيوع الآجال لأن تعدد العقد هناك أضعفها ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ويشترط أن لا يكونا أي رأس المال والمسلم فيه طعامين ولا نقدين ولا شيئاً في أكثر منه أو أجود كالعكس إلا أن تختلف المنفعة كفاره الحمر في الأعرابية الخ‏.‏ وشرط رأس المال أيضاً أن يقبض كله عند العقد أو ما في حكمه كما قال‏:‏ ‏(‏وأن يعجلا‏.‏

وَجَازَ إنْ أَخَّرَ كالْيَوْمَيْنِ *** وَالعَرْضُ فِيهِ بِخِلاَفِ العَيْنِ

وجاز إن أخر كاليومين‏)‏ والثلاثة وظاهره ولو بشرط وهو كذلك ‏(‏خ‏)‏‏:‏ شرط السلم قبض رأس المال كله أو تأخيره ثلاثاً ولو بشرط الخ‏.‏ وظاهره أنه لا يجوز تأخيره أو بعضه مع الشرط أكثر من ثلاثة أيام، ولو قلت الزيادة عليها سواء كان عيناً أو عرضاً أو حيواناً وهو كذلك ويفسد السلم ويرد إليه رأس ماله مع القيام أو قيمته مع الفوات، وإنما فسد في العرض والحيوان لأنه بيع معين تأخر قبضه لما يتغير إليه غالباً كما مر، وأما تأخيره أكثر من الثلاثة بغير شرط ففيه تفصيل فإن كان عيناً فسد أيضاً على المشهور لأنه عين الكالىء بالكالىء ‏(‏و‏)‏ أما ‏(‏العرض‏)‏ المعين ومثله الحيوان والطعام فيهم ‏(‏فيه‏)‏ أي في جواز التأخير بلا شرط ‏(‏بخلاف العين‏)‏ فيجوز تأخيرهم ولو إلى حلول أجل السلم، إلا أن جواز التأخير في العرض والطعام مصحوب بكراهة، وهل الكراهة فيهما مطلقاً أو إذا لم يحضر العرض ولم يكل الطعام وإلاَّ جاز تأخيرهما من غير كراهة‏.‏ قولان‏.‏ وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏ وجاز تأخير حيوان بلا شرط، وهل الطعام والعرض كذلك إن كيل وأحضر أو كالعين‏؟‏ تأويلان‏.‏ قال في ضيح‏:‏ وينبغي في العرض إذا أحضر الجواز وفي الطعام إذا لم يكل أن تكون الكراهة للتحريم الخ‏.‏ وهو ظاهر لأن العرض الحاضر يدخل في ضمان المسلم إليه بالعقد، فله أن يتركه عند المسلم أمانة إلى أي وقت شاء بخلاف الطعام إذا لم يكل ففيه حق توفية فلا يدخل في ضمانه بالعقد، فهو حينئذ كالعين لا يجوز تأخيره أكثر من ثلاثة ولو بغير شرط‏.‏ تتمة‏:‏ ليس من الشروط أن يذكرا موضع قضاء المسلم فيه، بل إذا تعرضا لموضع قضائه فإن كان متسعاً كما لو دخلا على قضائه بمصر ولم يسميا موضعاً منها يقبض فيه فسخ لأن مصر متسعة إذ هي ما بين البحر المالح وأسوان، ومن اسكندرية إلى أسوان وإن لم يتعرضا لموضع قضائه بل سكتا عنه، فإنه لا يفسد ويقضى بمحل عقده ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن اختلفا في موضع قضائه صدق مدعي موضع عقده، وإلاَّ فللبائع وإن لم يشبها حلفا وفسخ كفسخ ما يقبض بمصر وجاز بالفسطاط وقضى بسوقها وإلاَّ ففي أي مكان‏.‏

باب الكراء

للدور والأرضين والرواحل والسفن وهي في الاصطلاح المعاوضة على منافع غير الآدمي، والإجارة والجعل؛ وهما في الاصطلاح المعاوضة على منافع الآدمي‏.‏ ‏(‏وما يتصل به‏)‏ من الأبواب المستثناة من الأصول الممنوعة كالمساقاة والمزارعة والمغارسة والقراض وأدمج الشركة بينهما، وعقد لكل منها فصلاً يخصه كما يأتي، وغرر هذه الأبواب المستثناة ظاهر للجهل بالعوض، ولكنه اغتفر لشدة الحاجة إليها، وما تقدم من أن الإجارة والجعل لمنافع الآدمي والكراء لمنافع غيره هو مجرد اصطلاح كما مر قريباً، وقد يطلق أحدهما على الآخر‏.‏ ابن عرفة‏:‏ الكراء عقد على منافع غير الآدمي أو ما يبان به وينقل غير سفينة اه‏.‏ فأخرج بغير الآدمي منافع الآدمي، فإنها إجارة أو جعل‏.‏ وقوله‏:‏ أو ما يبان به معطوف على غير مدخول لمنافع، وأدخل به الدابة والثوب والفأس والمنشار ونحو ذلك، ولو قال‏:‏ عقد على منافع غير آدمي من سفينة لكان أخصر وأوضح لأن ما يبان به من الدابة ونحوها داخل في غير الآدمي، وأخرج بقوله غير سفينة العقد على منافع السفينة فإن ذلك جعالة لأن كراءها إنما يكون على البلاغ فلا يستحق شيئاً إلا به كما في المدونة، فمن هذا الوجه أشبهت الجعالة وإن كان كراؤها يلزم بالعقد بخلاف الجعل، ومثل السفينة مشارطة الطبيب على البرء والمعلم على حفظ القرآن كله أو جزء معين منه، والمغارسة فإنه كلها على البلاغ لا يستحق العامل فيها شيئاً إلا بالتمام وتلزم بالعقد كالإجارة قاله ابن عبد السلام وغيره‏.‏

يَجُوزُ في الدُّورِ وَشِبْهِهَا الكِرَا *** لمُدَّةٍ حُدَّتْ وَشَيْءٍ قُدِّرَا

‏(‏يجوز في الدور وشبهها‏)‏ من حوانيت وفنادق وأرحية ونحوها ‏(‏الكرا‏)‏ ويكون على وجهين‏.‏ أحدهما‏:‏ أن يكون ‏(‏لمدة‏)‏ معينة قد ‏(‏حدت‏)‏ بإشارة إليها أو تسميتها كقوله‏:‏ أكتريها منك هذه السنة أو هذا الشهر أو هذا اليوم أو يقول له‏:‏ أكتريها منك شهر كذا أو سنة كذا، أو يقول‏:‏ أكتريها منك سنة أو سنتين أو ثلاثاً أو يومين أو ثلاثاً، أو يقول‏:‏ أكتريها منك إلى وقت كذا، وهذه الألفاظ الأربعة كلها لازم الكراء فيها بالعقد إذا وقعت هكذا ‏(‏وشيء‏)‏ من العوض ‏(‏قدرا‏)‏ أي فيها لتلك المدة المعينة كدينار أو درهم ويسمى هذا الوجه من الكراء وجيبة‏.‏

وَلاَ خُرُوجَ عَنه إلاَّ بالرِّضا *** حتى يُرَى أمَدُهُ قدِ انْقَضَى

‏(‏ولا خروج عنه‏)‏ لواحد منهما قبل انقضاء مدته للزومه لهما بالعقد ‏(‏إلا بالرضا‏)‏ منهما معاً على فسخه وإلاَّ فلا فسخ ‏(‏حتى يرى أمده قد انقضى‏)‏ ثم إن عين المبدأ في الوجهين الآخرين من الوجوه الأربعة التي تسمى وجيبة واضح، والأصح العقد وحمل الأمر على أن أول المدة من حين العقد لأنه لو لم يحمل على ذلك لزم فساد العقد، لأن الكراء لا يجوز على سنة ونحوها غير معينة ‏(‏خ‏)‏‏:‏ عاطفاً على الجواز وعدم بيان الابتداء وحمل من حين العقد وعليه، فإن كان العقد في أول الشهر لزمهما الكراء في ذلك الشهر على الهلال من نقص أو تمام، وإن كان في أثناء الشهر لزمهما الكراء في ثلاثين يوماً من يوم عقداه‏.‏

تنبيه‏:‏

ظاهر قول الناظم لمدة حدت أنه يجوز ذلك ولو طالت المدة، وهو كذلك إذا كانت تبقى إليها غالباً، قال في الشامل‏:‏ ويجوز كراء الدار وشبهها لمدة تبقى فيها غالباً وجاز النقد فيها إن لم تتغير غالباً الخ‏.‏ فالضابط لجواز العقد والنقد عدم التغير في تلك المدة، ولذا قال ابن عرفة‏:‏ المعتبر في أجل منفعة الربع ما لا يتغير فيه غالباً فيجوز فيه العقد والنقد، وما لا يؤمن تغيره لطول مدته أو ضعف بنائه جاز فيه العقد لا النقد، وما غلب على الظن بعد بقائه لمدة لم يجز العقد عليه لتلك المدة اه‏.‏ والوجه الثاني من وجهي الكراء أن يكون العقد وقع بينهم مشاهرة وهو ما ى شار له بقوله‏:‏

وَجَائِزٌ أنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ *** مُعَيَّنٍ في العام أو في الشَّهْرِ

‏(‏وجائز أن يكترى بقدر‏.‏ معين في العام أو في الشهر‏)‏ كأن يقول‏:‏ أكتري منك دارك كل شهر بدينار أو كل سنة بعشرة أو كل يوم بدرهم، فإذا عينا المبدأ فواضح وإلاَّ حمل من حين العقد كما مرّ في الوجيبة، والعقد على هذا الوجه يسمى مشاهرة وهو غير لازم إلا بنقد فبقدره كما قال‏:‏

وَمَنْ أرَادَ أنْ يَحُلَّ ما انْعَقَدْ *** كانَ لهُ ما لَمْ يَحُدَّ بعَدَدْ

‏(‏ومن أراد‏)‏ منهما ‏(‏أن يحل‏)‏ عن نفسه ‏(‏ما انعقد‏)‏ بينهما من كراء المشاهرة ‏(‏ كان له‏)‏ ذلك وقوله‏:‏ ‏(‏ما لم يحدّ بعدد‏)‏ مستغنى عنه لأنه إذا حد بعدد كسنتين أو شهرين أو يومين كان من الوجه الأول الذي هو الوجيبة‏.‏

وَحَيْثُمَا حَلَّ الكِرَا يَدْفعُ مَنْ *** قَدِ اكترَى مِنْهُ بِقدْر ما سَكَنْ

‏(‏وحيثما حل‏)‏ عقد ‏(‏الكرا‏)‏ ء وفسخ في المشاهرة لعدم لزوم العقد لهما فيها حيث لم يكن المكتري نقد شيئاً أو فسخ في الوجيبة برضاهما معاً ‏(‏يدفع من قد اكترى منه‏)‏ أي من الكراء ‏(‏بقدر ما سكن‏)‏ حيث كان سكن شيئاً من المدة، وقولي‏:‏ حيث لم يكن المكتري نقد شيئاً احترازاً مما إذا كان نقد بعض مدة المشاهرة فإنه يلزمهما الكراء في قدر المنقود حيث سكن شيئاً بعد أن نقد كما قال‏:‏

كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الكِرَاءِ قُدِّما *** فَقَدْرُهُ مِنَ الكِرَاءِ لَزِمَا

‏(‏كذاك‏)‏ يلزم عقد الكراء في المشاهرة ‏(‏إن بعض الكراء قدما‏)‏ فيها وأرادا فسخها بعد أن سكن شيئاً من مدة النقد، فإن ذلك لا يجوز ويلزمهما إتمام مدة النقد كما قال‏:‏ ‏(‏فقدره‏)‏ أي قدر النقد المقدم ‏(‏من‏)‏ مدة ‏(‏الكراء لزما‏)‏ لهما، وظاهره أن قدر مدة النقد لازم لهما ولو تراضيا على الفسخ، وهو كذلك إن سكن بعض مدة النقد كما قررنا، فإذا اكترى منه كل شهر بدينار وقدم له دينارين وسكن نصف شهر مثلاً لزمهما إتمام الشهرين اللذين هما قدر المنقود وليس لهما الفسخ فيما بقي من مدة النقد ولو رضيا لأن الفسخ حينئذ إقالة وهي حينئذ لا تجوز لأن المردود من النقد سلف والمقابل منه لنصف الشهر في المثال المذكور كراء فيؤدي إلى كراء والسلف وهما وإن لم يدخلا على ذلك لكن يتهمان عليه كما مر للناظم في الإقالة حيث قال‏:‏

وسوغت إقالة فيما اكترى *** ما لم يكن أعطى الكراء المكترى

وأما إذا نقدا وتقايلا برضاهما قبل أن يسكن شيئاً فذلك جائز لانتفاء العلة المذكورة، وأما إذا أراد أحدهما الفسخ بعد النقد وأبى الآخر، فإن مريده لا يجاب إليه ولو لم يكن سكن شيئاً كما تقدم أنه ظاهر عموم النظم ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ومشاهرة ولم يلزم لهما إلا بنقد فبقدره الخ‏.‏ وانظر الكراس الثاني من أنكحة المعيار فإنه ذكر فيه أن كراء الدابة كل يوم بدرهم لا يجوز ولا بد من ضرب الأجل كشهر ونحوه، وانظر إذا أكرى الدار ثم باعها في فصل أحكام الكراء‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ظاهر قوله‏:‏ ومن أراد أن يحل ما انعقد كان له الخ‏.‏ لا يلزمه في المشاهرة شيء من المدة ولو أقل ما سميا كشهر، وهو كذلك حيث لم ينقد على المشهور‏.‏ ورواية ابن القاسم عن مالك وسواء سكن بعض الشهر أم لا إلا أن يكون المكتري أرضاً وحرثها أي قلبها وأحرى لو زرعها فتلزمه السنة بحراثتها، وليس للمكري إخراجه منها قبل السنة لتعلق حق المكتري بحراثتها، ومقابل المشهور لمطرف وابن الماجشون أنه يلزمهما أقل ما سمياه، فإن قال كل شهر بكذا لزمه في شهر أو كل سنة بكذا لزمه في سنة، واختاره اللخمي وابن حبيب، وثالثها رواية ابن أبي أوس عن مالك أيضاً أنه يلزمه الأقل إن شرع في السكنى وبهذه الرواية العمل بفاس، وعليه فإذا سكن بعض الشهر في المشاهرة أو بعض السنة في المسانهة لزم كلاً منها بقية الشهر والسنة وليس لأحدهما الفسخ إلا برضا صاحبه وسواء سكن يوماً أو بعض يوم‏.‏

الثاني‏:‏ يقيد عدم اللزوم في كراء المشاهرة إذا لم ينقد بما إذا لم يجر العرف باللزوم كالذي يكري المطمر ليطمر فيها زرعه كل سنة بكذا، فليس للمكري أن يخرجه إلا إذا تغيرت الأسواق إلى ما العادة أن يباع بمثله قاله اللخمي، ونقله أبو الحسن والمكناسي في مجالسه‏.‏ ابن رحال‏:‏ وهو صحيح لأن العرف كالشرط اه‏.‏ ولم يلتفتوا إلى اعتراض ابن عرفة عليه انظره في شرح الشامل‏.‏

الثالث‏:‏ قال ابن رشد‏:‏ من اكترى داراً مشاهرة فنص في الوثيقة أو غيرها على دفع كراء شهر معين فلذلك براءة للدافع مما قبل ذلك، لأن البراءة من شيء تقتضي البراءة مما قبله اه‏.‏ ونقله غير واحد، ولما نقله في الالتزامات قال‏:‏ ومثله يقال في الإشهاد على مستحق وقف بوصول معلوم سنة أو شهراً أنه شاهد للدافع بوصول ما قبل ذلك اه‏.‏ بلفظه‏.‏ ثم أشار إلى ما إذا كان في الدار نخلة أو دالية ونحوهما واشترى المكتري ثمرتها فقال‏:‏

وشَرْطُ ما في الدُّورِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ *** إذَا بَدَا الصَلاَحُ فيهِ مُعَتَبَرْ

‏(‏وشرط‏)‏ المكتري في عقد الكراء أن يكون له ‏(‏ما في الدار من نوع الثمر‏)‏ جائز ‏(‏ إذا‏)‏ كان قد ‏(‏بدا الصلاح فيه‏)‏ بالزهو وظهور الحلاوة ولو في حبة منه ‏(‏معتبر‏)‏ شرطه لذلك مطلقاً زادت قيمته على ثلث الكراء أو نقصت، إذ غايته أنه اجتمع البيع والكراء وهو جائز فالظرف متعلق بمعتبر الذي هو خبر المبتدأ، وفهم من قوله‏:‏ شرط أن المكتري إذا لم يشترطها فهي للمكري وهو كذلك سواء بدا صلاحها أم لا‏.‏ وظاهره أنه يجوز اشتراطها مع بدو الصلاح كان الكراء وجيبة أو مشاهرة كانت الوجيبة تنتهي قبل طيب الثمرة أو بعد انتهائه وهو كذلك في الوجيبة، وأما المشاهرة فقد علمت أنها غير لازمة ما لم يسكن فإنه يلزمه أقل ما سماه على ما به العمل، فإذا سكن ذلك الأقل ولم يكن انتهى طيبها أو لم يسكن شيئاً وأراد الفسخ عن نفسه، فالذي يظهر أن البيع لازم في الثمرة بما ينوبها من أجرة الكراء والله أعلم‏.‏ ومفهوم قوله‏:‏ إذا بدا الصلاح أنه إذا لم يبد لم يجز إلا بشروط نبه الناظم على شرطين منها فقال‏:‏

وغَيْرُ بادِي الطَّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرطْ *** حَيْثُ يُطيبُ قَبْلَ مَالِهُ ارْتُبِطْ

‏(‏و‏)‏ الثمر الذي هو ‏(‏غير بادي الطيب‏)‏ بأن لم يوجد أصلاً أو وجد، ولكنه لم يبد صلاحه لأن القضية السالبة لا تقتضي وجود الموضوع ‏(‏إن قل‏)‏ بأن كانت قيمته ثلث جملة الكراء فدون ‏(‏اشترط‏)‏ أي جاز اشتراطه ‏(‏حيث‏)‏ كان ‏(‏يطيب قبل ماله ارتبط‏)‏ فغير بادي الطيب مبتدأ، وجملة اشترط بالبناء للمفعول خبره والعائد ضمير المبتدأ وحيث شرطية مجردة عن الظرفية، والتقدير‏:‏ وغير بادي الطيب إن قل صح اشتراطه، وجاز إن كان يطيب قبل الأمد الذي ارتبط إليه والدار أو الأرض المرهونة يجوز اشتراط ثمرتها حيث اشترط المرتهن منفعة الدار لأنها حينئذ مكتراة في الحقيقة، فهذان شرطان في كلامه أحدهما الغلة بأن تكون قيمة ثلث الكراء فدون ويعرف ذلك بالتقويم بأن يقال‏:‏ ما قيمة كراء الدار بلا ثمرة فيقال عشرة مثلاً‏.‏ قيل‏:‏ وما قيمة الثمرة التي تطعمها هذه الشجرة أو الدالية على المعتاد المتعارف منها كل عام بعد طرح قيمة المؤنة والعمل‏؟‏ فإذا قيل خمسة فأقل جاز وإلاَّ منع، وثانيهما أن يعلم أن الثمرة ينتهي طيبها قبل انقضاء مدة الكراء وإلاَّ لم يجز اشتراطها، ويفهم من هذا أن الكراء وجيبة، فإن كان مشاهرة لم يجز لأن المدة فيها غير محدودة كما مر‏.‏ وبقي عليه أن يشترط جميعها فإن اشترط بعضها لم يجز على المشهور لأن اشتراط البعض يدل على قصد المعاوضة كاشتراط بعض المأبور وخلفة القصيل كما مر في بيع الأصول لا على قصد دفع الضرر الحاصل بدخول رب الدار لإصلاح ثمرته‏.‏

تنبيه‏:‏

الأرض مثل الدار فيما ذكر وسيأتي قول الناظم في الفصل بعده‏:‏

وإن تكن شجرة بموضع *** جاز اكتراؤها بحكم التبع

‏(‏خ‏)‏‏:‏ وجاز كراء شجرة للتجفيف عليها لا لأخذ ثمرتها واغتفر ما في الأرض ما لم يزد على الثلث بالتقويم الخ‏.‏ فإن كانت قيمتها أكثر من ثلث جملة الكراء وكان قد زرع الأرض أو سكن الدار، فإن الثمرة لربها ويقوم على المكتري كراء الأرض والدار بغير ثمرة ويعطى أجر ما سقى به الثمرة إن كان سقاها إو كان له فيها عمل فإن فاتت الثمرة عنده غرم لربها مكيلتها إن علمت أو قيمتها إن جهلت مكيلتها لفساد الكراء‏.‏ وهذا كله في الثمرة، وأما الزرع الموجود في الأرض المكتراة فيجوز اشتراطه أيضاً إن كان دون الثلث لا إن كان ثلثاً قاله في المدونة‏.‏ والفرق أن الزرع أخفض رتبة من الأصول‏.‏ ألا ترى أنه لا يجوز مساقاته إلا بشروط ستأتي إن شاء الله‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ إذا اكترى داراً أو أرضاً سنين وبها شجر اشترط ثمرته فإن كانت قيمته في كل سنة الثلث فأقل جاز، وإن كانت في سنة الثلث فأقل، وفي سنة أكثر، وإذا نظر إلى قيمة جميعه من الكراء في المدة كانت الثلث لم يجز، ويكون الكراء فاسداً في المدة جميعها ويجري حكمه على ما فوقه‏.‏

الثاني‏:‏ سئل ابن رشد عمن باع شجراً واشترط على المشتري أن لا يقبضه إلا بعد عام وليس الآن فيه ثمر هل يجوز قياساً على شراء الأرض والدار وتراخي القبض إلى هذا القدر أم لا لحدوث الثمرة‏؟‏ فأجاب‏:‏ هذا يجري على الخلاف في المستثنى هل مبقي على ملك البائع فيجوز أو المشتري فلا يجوز لأنه من بيع الثمرة قبل أن تخلق أو تزهو اه‏.‏ وتقدم في بيع الأصول أن المستثنى مبقي على المعتمد‏.‏

وما كَنَحْلٍ أَوْ حَمَامٍ مُطْلقَا *** دُخُولُهُ في الاكترَاءِ مُتَّقى

‏(‏وما كنحل‏)‏ بالحاء المهملة في جبح أو غار في الدار أو الأرض ‏(‏أو حمام‏)‏ في برج الدار ‏(‏مطلقا‏)‏ قل أو كثر ‏(‏دخوله‏)‏ بشرط ‏(‏في‏)‏ عقد ‏(‏الاكتراء متقى‏)‏ لقوة الغرر فيه، ولأنه ليس من نفس الدار ولا من جنسها بخلاف الشجر، وهذا في الكراء، وأما في بيع رقبة الدار ببرج حمامها أو بجباح نحلها فيجوز قاله في الطرر وانظر ‏(‏ز‏)‏ صدر البيوع عند قوله‏:‏ وحمام ببرج الخ‏.‏ فإنه ذكر هناك فروعاً مناسبة من كون الحمام والنحل إذا أضرا بالثمار والزرع هل على رب الزرع والثمار حفظها أو يمنع ذو الحمام والنحل من اتخاذه، وأن الرجل إذا وجد نحلاً في شجرة أو صخرة لا بأس أن ينزع عسلها إذا لم يعلم أنها لأحد إلى غير ذلك، وانظر ما يأتي في فصل الضرر عند قوله‏:‏ فإن يكن يضر بالمنافع الخ‏.‏

وجازَ شَرْطُ النّقْدِ في الأرْحاءِ *** بِحَيْثُ لا يُخْشَى انقِطَاعُ الماءِ

‏(‏وجاز شرط النقد في‏)‏ كراء ‏(‏الأرحاء‏)‏ إذا كانت ‏(‏بحيث لا يخشى انقطاع الماء‏)‏ عنها لكون العادة جارية بدوام جريه وعدم انقطاعه لانقضاء المدة، ومفهومه أنه إذا كان يخشى انقطاعه لم يجز اشتراط النقد وهو كذلك لتردده بين السلف والكراء، وإنما يجوز كراؤها حينئذ بدون شرط النقد، وأما تطوعاً فيجوز أمن عدم انقطاع مائها أو لو يؤمن‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ إذا أكراها بشرط النقد لوجود الشرط الذي هو عدم انقطاع الماء في غالب الظن والعادة، فتخلفت تلك العادة وانقطع الماء واكتراها بغير شرط النقد وانقطاع الماء أيضاً، أو انجلى أهل ذلك المكان عنها لفتنة ونحوها، أو انقطع الطعام من البلد لمجاعة ونحوها، فإن الكراء يفسخ إذا لم يرج عوده أو يرجى عن بعد، وأما إن كان يرجى عن قرب فإنه لا يفسخ ولكن يحط عنه من الكراء بقدر ذلك، ولا يجوز فيما إذا نقد أن يخلف عوض ما انقطع مما بعد الأجل لأنه فسخ دين في دين لأن قبض الأوائل ليس كقبض الأواخر وإذا فسخه وهو يرى أنه لا يعود عن قرب فتخلف ظنه ورجع الماء قبل انقضاء المدة عادت عقدة الكراء لتبين خطئه فهو كمن خرص عليه أربعة أوسق فدفع خمسة‏.‏ اللخمي‏:‏ إلا أن يكون المكتري بعد الفسخ عقد موضعاً غيره بوجيبة أو غيرها فيمضي الفسخ، ولا يجبر المكتري على إتمام المدة اه‏.‏ وإن اختلفا في قدر مدة انقطاعه صدق ربها حيث اختلفا في ابتداء انقطاعه مثل أن يكتري منه سنة أولها المحرم فسكن المحرم وصفر فيقول المكتري‏:‏ انقطع الماء في ربيع وعاد في جمادى، ويقول رب الرحا‏:‏ لم ينقطع إلا في ربيع الآخر وحده فالقول لرب الرحا لأن الساكن مدع عليه في انقطاعه في ربيع الأول، فلا يصدق في إسقاط الكراء بدعواه، وأما لو اتفقا على ابتداء انقطاعه واختلفا متى عاد، فالقول للمكتري بيمينه من غير خلاف لأن رب الرحا قد أقر بانقطاع الماء وسقوط الكراء عنه مدعى عليه إيجاب الكراء بعود الماء قاله ابن يونس‏.‏ قال في المدونة‏:‏ وكذا إن اختلفا في انهدام الدار في بعض المدة‏.‏ انظر شرح الشامل‏.‏

الثاني‏:‏ قال في المدونة‏:‏ ومن استأجر رحا ماء شهراً على أنه إن انقطع الماء قبل الشهر لزمه جميع الأجرة لم يجز، وفي العتبية عن ابن القاسم فيمن له موضع رحا فأعطاه رجلاً يعمل فيه رحا على أن للعامل غلة يوم وليلة من كل جمعة فعمل على ذلك نحو ثلاثين سنة ثم علم بفساده قال‏:‏ تكون الغلة كلها للعامل ويغرم لصاحب الأصل كراء ذلك الموضع لجميع السنين التي انتفع بها بقدر رغبة الناس أو زهادتهم فيه على النقد، ويقال لصاحب الأصل‏:‏ إن شئت أمرته بخلع النفض وإلاَّ فاعطه قيمته مقلوعاً وتكون لك الرحا‏.‏

وبالدَّقِيقِ والطّعام تُكتَرَى *** والبَدُّ بالزَّيْتِ ويُنْفَذُ الكِرَا

‏(‏وبالدقيق‏)‏ كصاع منه ‏(‏والطعام‏)‏ كمد من حنطة أو قسط من زيت ‏(‏تكترى‏)‏ هي أي الرحا كما في المدونة وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على الجواز وكراء رحا ماء بطعام أو غيره، وظاهره أنه يجوز كراؤها بذلك نقداً أو إلى أجل وهو كذلك قالوا‏:‏ وإنما نص على ذلك في المدونة لأنها لما كانت مثبتة في الأرض ويعمل فيها الطعام فقد يتوهم أنه من كراء الأرض بالطعام ‏(‏والبدُّ‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد الدال المهملة أي المعصرة التي يعصر فيها الزيت تكترى ‏(‏ بالزيت‏)‏ كقلة منه نقداً أو إلى أجل ‏(‏وينقد‏)‏ فيها ‏(‏الكرا‏)‏ ء بشرط أو غيره‏.‏ قال في المفيد‏:‏ وتجوز قبالة معصرة الزيت بالزيت الموصوفة إلى أجل كما تجوز قبالة الملاحة بالملح، ولا يجوز لصاحب اليد اشتراط النوى لأن بعضه أرطب من بعض ولا يحاط بصفته اه‏.‏ والمراد بالنوى الفيتور أي التفل والقبالة بفتح القاف أي الكراء ثم قال في المفيد‏:‏ وإنما جاز كراء الملاحة بالملح لأن الملح ليس يخرج منها، وإنما يتولد فيها بالصناعة بجلب الماء للأحواض وتركه للشمس حتى يصير ملحاً وتجوز المعاملة فيها على الإجزاء للعامل النصف أو الثلث أو ما اتفقا عليه ولرب الملاحة النصف أو الثلث أو ما اتفقا عليه، ولا يدخل في هذا عند من أجازه كراء الأرض بما يخرج منها إذ ليست الأرض تنبت الملح ولا يخرج منها وإنما يتولد فيها اه‏.‏

قلت‏:‏ انظر هل يجوز كراء الرحا والمعصرة بعشر زيت ودقيق ما يطحن فيهما من القمح والزيتون كما في الملاحة أم لا‏؟‏ والظاهر عدم الجواز للجهل بالقدر ولاختلاف صفة خروج الزيت والدقيق بخلاف الملح، فإن لم يختلف الخروج وكان بقسط معلوم كمد منه أو من دقيق جاز كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وصاع دقيق منه أو من زيت لم يختلف الخ‏.‏ وسيأتي في فصل الإجارة عدم جواز إجارة الدلال بربع عشر الثمن ونحو ذلك، وهذا كله في الملح التي يجلب ماؤها للأحواض، وأما ملح المعادن التي لا تحتاج إلى علاج ولا إلى جلب للأحواض كملح المعدن الصحيحة فقد قال في نظم العمل تشبيهاً في الجواز‏:‏ كذلك الردود للصيادة‏.‏ للحوت كالملاحة المعتادة الخ‏.‏ أي‏:‏ فيجوز كراؤهما لأجل رفع الحجر عنهما مدة معلومة بالملح وغيره انظر شارحه‏.‏